أمي.. حبي

------------------------------------

إحدى الدراسات الحديثة، و التي بدأت في تسعينيات القرن الماضي و لا تزال معتمدةً حتى الآن على حد علمي، أخذت مساراً مختلفاً عن كل ما سبقها من مدارس في علم النفس
اعتمدت هذه النظرية على فرضيتين

- أولاً، النظر إلى الموضوع من الجهة الأخرى للمشكلة: الأم. فلم إلقاء كل الثقل على الابن وحده؟!!! في النهاية، فإن الخيال، في جميع مدارس علم النفس القديمة و الحديثة، يبدأ من الواقع أولاً ليتجلى بعد ذلك بأحلام اليقظة و منامات الليل. فالأم قد قامت عن حسن نية و لكن بشكلٍ متعمد في معظم الأحيان، على حسب ادعاء رواد هذه النظرية من خلال احصاءاتهم السريرية، بإغواء ابنها في مراحل طفولته المبكرة و قبل أن تتشكل ذاكرته الواعية، من دون أن تعلم الأم أن هذه البذور التي تزرعها عن غير عمدٍ، ستحتاج القليل من الماء و اليسير السماد لتكبر لاحقاً كماردٍ لا يمكن إيقافه. ثم تخزنت هذه المعلومات في لاوعي الابن لتعبر عن نفسها لاحقاً، و في معظم الأحيان، من خلال تلقي كل إشارةٍ من الأم و ربطها، عن غير وعي، بما اختزنته ذاكرته اللاواعية في طفولته. من هنا، فإن كل إيماءةٍ جسدية أم وجدانية من قبل الأم تلعب كمحرضٍ لتسليط الضوء على هذا الجانب المظلم من العقل الباطن و إيقاظه ليكبر بشكلٍ لا يقوى الابن الغض في تلك المرحلة المبكرة من نضوجه من السيطرة عليه و ليقع الابن ضحية هاجسه الجنسي و العاطفي بأمه. لذلك، و على حسب هذه النظرية، فإن المسؤولية، إن وجدت، تقع أولاً على الأم. أستطيع أن أقول أن إلقاء المسؤولية هنا لا تعنيني شخصياً لا من قريبٍ و لا من بعيد

- ثانياً، اعتماد مبدأ التناظر العاطفي (أو التبادل المتوازن للعواطف) عند تشخيص هذه الحالة، و الذي يحكم العلاقات الاجتماعية عند الأنسان. فعندما يميل شخصان عاطفياً إلى بعضهما البعض، فإن كلاهما، بالضرورة، قد قاما بإرسال إيماءاتٍ وجدانية أو حسية (أو كليهما معاً) إلى الآخر، كما أن كلاهما، بالضرورة مرةً أخرى، قد فتحا واسعاً أبواب المستفبلات الوجدانية و الحسية (معاً) في عقلهما الباطن لتلقّي تلك الإيماءات و استقبالها بسعادة. و رغم أن الأم، بشكلٍ عام، تميل وجدانياً إلى ابنها بشكل تلقائي، إلا أن هده الدراسة تدعي بأن الأم، في هذه الحالة بالتحديد، سوف تميل إلى ابنها بنفس القوة و نفس الطريقة التي يميل بها هو إليها، كما سيميل الابن في المقابل إلى أمه بنفس القوة و نفس الطريقة التي تميل بها هي إليه، عاطفياً كانت أم جسدياً، أم كلاهما كما في حالتي أنا (على الأقل أستطيع هنا التكلم عن نفسي). مما يدعم بالضرورة صحة الفرضية الأولى، حيث أن الأم قد قامت بنفس الوقت بإرسال تلك الإشارات إلى ابنها و فتح مستقبلاتها الحسية و العاطفية لاستقبال إشاراته

أظن أن الفكرة قد وصلت. لكن من الجدير ذكره أن هذه النظرية تخوض في تفاصيل لا مجال لذكرها هنا، كتحليل كل حالةٍ من الممكن أن تحصل عند الأم و عند الإبن
إرسال إشاراتٍ وجدانية
إرسال إشاراتٍ حسية
إرسال إشاراتٍ وجدانية وحسية معاً
استقبال إشاراتٍ وجدانية
استقبال إشاراتٍ حسية
استقبال إشاراتٍ وجدانية وحسية معاً.... و الاحتمالات المتوقعة من المزج بين تلك الحالات عند الأم و الإبن
------------------------------------

رغم أن هذه النظرية الحديثة قد استرعت اهتمامي لما تحمله من منطقية و واقعية في تشخيص حالتي و تحليل الاحتمالات الممكنة، بالإضافة إلى رغبتي الشديدة بتصديق فرضيات هذه النظرية و طريقة التحليل النفسي التي تعتمدها، إلا أن كل ذلك يذهب خواءً و رماداً كلما أدركت أني لا أزال تحت وطأة الاحتمالات و التخمين. فكيف لي أن أعلم حقيقة ما تفكر به أمي و تحسه اتجاهي؟!!! سؤالٌ أبدي و أزلي في الوقت نفسه

============================================================

------------------------------------
------------------------------------

أمي الحبيبة، أما و قد انتهيت على الأرجح من قراءة مقالتي، فإني أريدك أن تعلمي و تطمئنّي أني لا أرى أي واجبٍ عليك القيام به، أو مسؤولية تقع على عاتقك اتجاهي. فقد قمتِ بما يكفي و يزيد لتنشئتي و تربيتي، و كنت دائماً خير مثالٍ للأم الحقيقية، كما ستبقين أبداً أغلى إنسانٍ على قلبي، بغض النظر عن كل ما مررت به

هي مشكلتي أنا، و كما تعايشت معها لما يقارب الثلاثين عاماً، فإني سأستطيع التعايش معها إلى الأبد

كما أني أعدك بأن أبذل كل ما أستطيع لأبقى ذلك الابن البار و المحب و الشاكر لفضل أمه عليه إلى الأبد

أمي... حبيبتي... أحبك