راشيل أرملة أحببتها - 1

Story Info
Rachel, a widow that I loved -1.
5k words
0
14
00
Story does not have any tags

Part 1 of the 13 part series

Updated 10/11/2023
Created 09/09/2023
Share this Story

Font Size

Default Font Size

Font Spacing

Default Font Spacing

Font Face

Default Font Face

Reading Theme

Default Theme (White)
You need to Log In or Sign Up to have your customization saved in your Literotica profile.
PUBLIC BETA

Note: You can change font size, font face, and turn on dark mode by clicking the "A" icon tab in the Story Info Box.

You can temporarily switch back to a Classic Literotica® experience during our ongoing public Beta testing. Please consider leaving feedback on issues you experience or suggest improvements.

Click here

أرملة أحببتها

كانت راشيل فتاة جميلة من يهود مصر، تزوجت من روسى يهودى يدعى فلاديمير أو كما غير اسمه لاحقا إلى حاييم. أهلها وأجدادها يعيشون فى مصر منذ عهد البطالمة بل ومن قبل ذلك أيضا منذ عهد إرميا النبى فى عهد الملك المصرى القديم أبريس من الأسرة السادسة والعشرين فى القرن السابع قبل الميلاد. فراشيل وأهلها على ذلك مصريون متغللون فى المصرية حتى النخاع منذ قرون وقرون. ولديهم لفافة بردى عليها شجرة عائلتهم باللغة العبرية ذات الحروف الجميلة المثيلة لحروف الآرامية منذ عهد الملك أبريس حتى اليوم فى بدايات القرن العشرين. وكانت راشيل تشبه كثيرا نجمة البورن اللاحقة عليها راشيل آشلى فى الوجه والشعر والنهود والبدن تماما.. وقد تناقل أهلها كابرا عن كابر قصص وجودهم فى مصر منذ هذه العصور الموغلة فى القدم وتنقلهم عبر العصور ما بين مدن الصعيد والدلتا والاسكندرية وحتى اقامتهم الحالية فى القاهرة فى درب البرابرة وحارة اليهود. وسط جيرانهم من المصريين المسلمين والمسيحيين. تزوجت راشيل وعمرها 17 عاما من الروسى الثرى فلاديمير عن حب وتنقلت معه فى أنحاء أوروبا وروسيا وأمريكا والصين والهند واليابان وحتى فى بلدان افريقيا السوداء، وشاهدت الكثير والكثير من معالم العالم. وكانت تحيا معه بسعادة بالغة لكن لم يعقبوا أولادا، ولكن ذلك لم يقلل من سعادتهم معا أبدا، وبعد عشر سنوات من زواجهما توفى الشاب فلاديمير وصارت راشيل أرملة حزنت عليه كثيرا وعادت إلى بلادها مصر كسيرة الفؤاد تتمنى الموت واللحاق بحبيبها وحبيب طفولتها فلاديمير، وعاشت فى كنف أبيها وأمها مجددا ووسط إخوتها البنين والبنات. لم يكن لفلاديمير إخوة ذكور كى يتزوج أحدهم من راشيل حسب التقليد التناخى والتوراتى اليهودى أو الييبوم. كما أن راشيل كانت تقدمية وأقرب لليهودية الإصلاحية متأثرة فى ذلك بعلمانية وتنور زوجها الراحل فلاديمير. فقررت أنها لن تتزوج أبدا بآخر بعد حبيبها فلاديمير حتى لو كان لديه إخوة.
تجولت راشيل حسب نصيحة أمها وأبيها وحسب نصيحة جارها أحمد الذى يصغرها بعشر سنوات فى شوارع القاهرة عام 1947 .. كانت نظرات أحمد ثاقبة غريبة تجاهها وكانت تحتل تفكيرها وهى تسير فى شوارع وسط البلد وتتفرج بتكاسل وعيون لا ترى على محلات الملابس.. هى تراه مثل ابن لها وأخ صغير لها، لقد ربته تقريبا، كان عمره سبع سنوات حين تزوجت بفلاديمير، ومنذ ولادته وهى ترعاه وكأنها هى أمه، حين ولد وعمرها عشر سنوات، وتطعمه وتغير حفاضاته، وحين كبر ووعى قليلا كانت تغمره بحنانها وتهديه اللعب والحلوى والشوكولاتة وتمازحه وتلاطفه، وخلال أعوام زواجها العشرة كانت تزور مصر وأهلها كل عام وتلتقى بأحمد الذى يكبر شيئا فشيئا أمامها، وتراه مشتاقا جدا لها ومستوحشها كثيرا، وكانت تغمره كالعادة بحنانها وملاطفاتها ولعبها وحلواها، وكانت أيضا تذاكر له دروسه وتساعده فى دراسته، تبقى شهرا بمصر ثم تغادرها مع فلاديمير، وكانت تغنى له ترانيم ومزامير داود بالعبرية بصوتها الملائكى الأنثوى الرقيق الرائع. واليوم بعدما عادت إلى مصر نهائيا بعد وفاة حبيب قلبها فلاديمير. رأت من أحمد تحولات غريبة تجاهها، وكان يطالبها أن تغنى لها أغان يهودية وعبرية سواء مزامير داود أو أغانى يهودية شعبية تعرفها وتتقن غناءها بالعبرية. وطالبها أن تعلمه العبرية وسألها كيف يقول أحبك وحبيبة قلبى بالعبرية. سألته هل تحب يا شقى ؟ خجل أحمد واحمر وجهه ونظر إليها طويلا ولم يجب سألته مرة أخرى من هى سعيدة الحظ هذه ؟ هل أعرفها ؟ تشجع أحمد هذه المرة ونطق قائلا نعم تعرفينها تعرفين حق المعرفة هى .. هى .. ثم سكت ولم يستطع إكمال ما يريد قوله. لم تضغط راشيل عليه، وقالت حسنا حين تحب إخبارى من هى أخبرنى. وجدت من أحمد حنانا مساويا لحنانها معه، واساها كثيرا فى بكائها وحزنها على فلاديمير، وحاول إخراجها من حزنها بأية وسيلة. ثم نصحها بالجلوس أمام النيل العظيم. والتجول بين معالم القاهرة التى يعلم أنها تعشقها كما يعشقها هو. كان يود لو يصحبها ويرافقها فى كل خطوة، وعيونه تأكل وجهها الصبوح الناعم الأبيض وعيونها وأنفها وشفتيها، وعبقها الزكى يثير جنونه وعنقها الجميل، وفستانها الأربعيناتى الأنيق، وتصفيفة شعرها الأربعيناتية، وكعبها العالى.. وأناملها وأظافرها ويداها. صوتها ونظراتها. كل شئ فيها يسحره ويخلب لبه. كان يحبها حبا جنونيا مهووسا بها، ولكنها لم تكن تشعر به، وكانت تراه مجرد أخ أو ابن لا أكثر. وانغلق قلبها على فلاديمير وحده.
جلست راشيل تبكى بهدوء وصمت وتتساقط دموعها على خدها وهى تتأمل رقرقة وجريان مياه نهر النيل الهادئة أمامها، وهى تتذكر كلمات وأحاديث فلاديمير وطباعه ولحظاته معها، كل مكان بالقاهرة وأماكن كثيرة بالعالم الآن أصبحت تثير حزنها وشجنها وشوقها لحبيب قلبها فلاديمير. كان عقلها يسترجع بصريا وسمعيا وشعوريا كل ما يتعلق بفلاديمير، حين يلمس يديها بيديه، حين يقبل شفتيها بشفتيه، حين ينظر بعينيه فى عينيها، حين يطرب اذنيها بكلماته وصوته الرخيم بالروسية أو العبرية أو العربية التى كان يتقنها جميعا، لكل مكان بالعالم تقريبا ذكراه بينها وبين فلاديمير، هنا كان يقبلها، هنا احتضنها، هنا غازلها بكلماته، هنا أمتعها بحديثه التنويرى والأدبى والعلمى وحتى السياسى. كلمها عن الهجرة اليهودية لإسرائيل التى لم تولد بعد. وعن النزاعات بين الإنجليز واليهود والعرب فى فلسطين. وتنبأ لها بقيام حرب شعواء فى فلسطين. لم تكن كل سنواتهما العشرة نزهات بالعالم، لكن أعوام 1937 و 1938 حيث تزوجا برأس السنة يناير 1937 كانت جولاتهما بألمانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واليونان وتركيا واسكندنافيا والاتحاد السوفيتى والصين والهند واليابان وإيران. وحين اندلعت الحرب العالمية الثانية فى 1939 كانت جولاتهما فى كندا والولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل والأرجنتين، وبلدان افريقيا السوداء وليبيا وتونس والجزائر والمغرب أو مراكش وسوريا ولبنان والأردن والعراق. بعيدا عن أتون الحرب المندلع فى أوروبا وفى اليابان والصين وروسيا. ولما انتهت الحرب بهزيمة ألمانيا واحتلالها من الحلفاء روسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وهزيمة اليابان 1945. لم تتنعم معه بالسلام العالمى سوى عام واحد ثم توفى حبيبها. لو نطقت المدن لقصت قصة حبهما الخالدة، لو نطقت برلين أو باريس أو لندن أو طوكيو، أو روما أو أثينا، أو بكين أو نيو دلهى، وهلسينكى وستوكهولم وأوسلو وكوبنهاجن. وأوتاوا وواشنطن ونيويورك ومكسيكو سيتى وريو دى جانيرو وبوينس أيرس، لشهدت كيف كانت قصة حبهما. لو نطقت جبال الألب والأورال والروكى والأبالاش والهندوكوش والهيمالايا، ونهر السين ونهر التيبر ونهر التايمز ونهر شيبريه وأنهار روسيا واسكندنافيا ونهر الأمازون ونهر ريو دى لابلاتا وحتى نهر النيل وغابات أوروبا وروسيا وكندا وأمريكا لنطقت بما شهدته من سعادة راشيل وفلاديمير وهمساتهما وقبلاتهما وأحضانهما ونظراتهما، وأحاديثهما فى كل مجال.
كان اليوم حارا من أيام شهر يوليو 1947 بالقاهرة ونسيت راشيل الاحساس بالزمن والحرارة حتى جن عليها الليل وغربت الشمس وساد الظلام لا يزيل سواده سوى أعمدة الإنارة المنتشرة على رصيف كورنيش النيل من حولها، وسكنت الدنيا من حولها كأنما تشاركها صمتها وتفكيرها فيما مضى من حياتها. وخلت الشوارع من المارة وقد عاد كل إلى بيته من عمله، إلى زوجته وأولاده. بينما هى وحدها هنا وهناك. بالشارع وبالبيت رغم من حولها من إخوتها ووالديها. ولم تكن تعلم أن أحمد فى نفس اللحظة كان يفكر فيها ليس فقط فى وجهها وصوتها وجمالها المرئى الجسدى والحسى، ولا فى حين رآها ذات مرة ملتفة بالبشكير مبللة الشعر بعد الاستحمام وساقاها السمينتان الجميلتان مكشوفتان عاريتان حتى فوق الركبة ولنصف الفخذين، والشق ما بين نهديها البضين مثير. ورآها مرات بالسوتيان والكولوت. رآها فى أحوال كثيرة من الملابس الداخلية والخارجية وحفظ فى ذهنه عطورها وأدوات ماكياجها وطلاء أظافرها أوكلادورها الأحمر والدم غزالى الفوشيا، وعبق بودرة خدودها الزكى الأخاذ. وجلستها أمام المرآة وتمليسها الكريم المرطب على وجهها ويديها بحماس. وحفظ جواربها الطويلة وحمالات جواربها الغريبة وحزام الجارتر. وقمصان نومها الداخلية الكومبليزونات القصيرة بالحمالات والخارجية. وفساتينها وتصفيفات شعرها المختلفة. ويعلم وصف أقراطها الذهبية والمعدنية والزجاجية والبلاستيكية والأحجار الكريمة والخشبية والعظمية ووصف قلاداتها وغوايشها وأساور يدها وكتفها، وخلاخيلها. باختصار كان مهووسا بها هوس العاشق المتيم. ومهووسا بعائلتها وعبريتها وتراثها التناخى والقبالانى. لا يزال يتذكر وراشيل تشرح له كيف خلق العالم والكون والانسان وكل شئ من حروف الأبجدية العبرية الاثنين والعشرين والأرقام من واحد إلى العشرة كما جاء فى سفر يتزيراه أو كتاب الخليقة القبالانى. وتشرح له شجرة الحياة والسيفروت العشرة والعوالم الأربعة والثنائية الذكرية والأنثوية لهاشيم أو إيلوهيم أو أدوناى أو صباؤت أو شاداى أو يهوه أو عين صوف أو آهيه أشير آهيه وشالوم والشكيناه أو السكينة أو ميليك هاعولام أو ريبونو شيل عولام أو قادوش يزرائيل. لا يزال أحمد يتذكر وراشيل تقص عليه قصص تنقل عائلتها منذ الجدود فى أنحاء مصر من الصعيد جنوبا للدلتا شمالا والإسكندرية فى عهد الأسر المتأخرة المصرية القديمة وعهد البطالمة وعهد السيطرة الرومانية والبيزنطية على مصر، ثم فى عهد السيطرة العربية الإسلامية على مصر من الأمويين للعباسيين والطولونيين والاخشيديين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين حتى اليوم فى عهد أسرة محمد على. وكيف أتوا من الأساس من أرض إسرائيل فى عهد إرميا النبى إلى مصر. وما جرى عليهم وعلى اليهود بصفة عامة من الشتات حول العالم، وهدم الرومان للهيكل فى أورشليم وطرد اليهود من فلسطين نهائيا بعد ثوراتهم المتعددة. وما مر عليهم فى مصر من تقريب للحكام تارة ومن اضطهاد ومعاناة تارة أخرى. وكيف أن من أسرتها فروع فقراء وأثرياء بعضهم لا يزال بالاسكندرية. وبعضهم هاجر منذ عقود أو قرون إلى أمريكا أو تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان وبنجلاديش أو أمريكا الجنوبية وأوروبا وروسيا والمغرب والعراق واليمن وسوريا ولبنان والأردن والجزائر وفلسطين نفسها.
اللى واخد عقلك يتهنى به. كانت كلمات والدة أحمد هى من أفاقته من حلم يقظته اللذيذ مع راشيل. لم يرد سوى ب هممم. لا دانت حالتك حالة مالك يا حمام. مفيش يا ماما مفيش حاجة. مفيش ازاى دانا أمك وأعرف بتحب مين يا واد. مبحبش حد يا ماما.
شردت أمه فى احتمالات وفتيات محيطات بهم فى الحى. وتساءلت فى نفسها. أهى الأرمنية فلانة أم الجريجية (اليونانية) فلانة أو الإيطالية فلانة. أم القبطية فلانة. أم المسلمة مثلهم فلانة. فهى تعلم أن أحمد يتكلم معهن جميعا. وأنهن جميعا ينظرن إليه باعجاب لا تدرى أهو اعجاب أخوى أم جيرانى أو رومانسى.. كانت بالتأكيد تفضل أن تكون من يحبها أحمد على دينهم كيلا تحصل مشاكل لاحقة بخصوص العائلات والعادات والأولاد أو النسل القادم وأحفادها. كلهن كن أصغر منه بعامين أو ثلاثة أعوام. لكن لم يخطر ببالها أبدا اسم راشيل خصوصا أنها تعلم أن راشيل تراه كأخ أو ابن لها. ولأنها تكبره بعشر سنوات. كما أن الدعاية الإخوانية البناوية آنذاك ضد اليهود والصهيونية وما يجرى فى فلسطين كان يقلقها وكانت تتوقع أن راشيل وأسرتها والعائلات اليهودية بالحى وبمصر عموما معرضين للقتل وللخطر وللتهجير أو الهجرة إلى فلسطين أو إلى شتات جديد ما بين أوروبا وروسيا والأمريكتين. كما كانت تسمع ذلك وأكثر من زوجها والد أحمد واضطهاد حكومة فاروق لليهود فى مجال الوظائف وامتناع الدولة عن منح المواطنة المصرية ليهود مصر.
مرت أشهر الصيف متثاقلة على راشيل وعلى أحمد معا. وأصدرت الأمم المتحدة قرارها بتقسيم فلسطين فى 29 نوفمبر 1947. وبدأ المسؤولون المصريون والعرب يهددون ويتوعدون العالم باراقة دماء اليهود العرب فى البلاد العربية والإسلامية. وكانت أحوال أسرة راشيل مضطربة نتيجة هذه التطورات السياسية، والنظرة العدائية الرسمية والشعبية اليوم لهم كيهود، ومخاوفهم من هجوم الإخوان والمتعصبين عليهم بالقتل أو الإيذاء نتيجة ما يجرى فى فلسطين. ومع اندلاع الحرب الاهلية الدموية الفظيعة المتبادلة الفظائع بين العرب واليهود فى فلسطين فى الفترة من ديسمبر 1947 وحتى اعلان قيام اسرائيل 15 مايو 1948 بعد الانسحاب البريطانى من فلسطين فى ابريل والشتات الفلسطينى او التغريبة. ثم اندلاع الحرب العربية الاسرائيلية فى نفس يوم اعلان قيام جمهورية اسرائيل. زاد العنف الإخوانى تجاه يهود مصر ومحلاتهم وتجارتهم. وزاد اضطراب وضع العائلات المصرية اليهودية بالقاهرة والاسكندرية سواء كانوا من الفقراء أو الأثرياء وبدأ البعض يفكر بجدية فى الهجرة إلى إحدى بلدان أوروبا أو الأمريكتين وسط تأزم الأوضاع.

لكن بشتاء 1948 ما بين يناير ومارس وأبريل كانت راشيل مشغولة بسبب اهتمام أحمد بها والذى لم يعد يتركها لتتنزه بمفردها فى أنحاء القاهرة والجيزة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.. والتى لم تكن قد أنشئت بها بعد مدينة نصر ولا حى المهندسين. فكانت مدينة نصر لا تزال صحراء وكانت المهندسين لا تزال زراعات وقرى ريفية. وتركزت نزهاتها مع أحمد فى حلوان والعباسية ووسط البلد وكورنيش النيل ومصر القديمة والمنيل والروضة.. وتمكن أحمد من اخراجها بالتدريج من انشغالها الكامل الحزين بذكرياتها مع فلاديمير ليبدأ هو فى شغل ربع تفكيرها ثم نصفه بفكاهته وروحه الجميلة وبحبه المبطن لها الذى لم تشعر به بعد ولم يفصح لها عنه بعد. كانا غافلين عما يجرى من أزمة سياسية ومحنة كبرى تتجمع غيومها السوداء فى الآفاق وفى سماء مصر والشرق الأوسط وفى إيران وباكستان وأفغانستان، محنة اضطهاد وطرد وهجرة اليهود بعشرات ومئات الآلاف من مصر والشرق الأوسط بلادهم وبلاد أجدادهم وأوطانهم التى عاشوا بها منذ قرون وقرون وانتموا إليها وأحبوها إلى أوروبا والأمريكتين الأثرياء منهم وإسرائيل الفقراء منهم. نكبة متبادلة ونزوح متبادل وشتات متبادل. مثلما حصل للألمان بالحربين العالميتين ومثلما حصل للبيزنطيين حين استيلاء الأتراك على آسيا الصغرى والقسطنطينية.
كانا لحسن حظهما غافلين عن سواد ودموية البشر طوال التاريخ تجاه بعضهم البعض تحت مبررات الوطن والدين والمال ومبررات أخرى كثيرة. كان أحمد يرتشف عسل ومولاس حبه ورفقته لراشيل، وكانت راشيل تشفى تدريجيا من جرحها الغائر تجاه فقد فلاديمير بتعويض من أحمد. وبدأت تدفأ تجاهه وتجاه الحياة مجددا وبدأت تعلم أحمد المزيد مما عرفته وتعرفه عن العالم ومعتقداته الدارمية والإبراهيمية والزرادشتية وأساطيره الاغريقية والمصرية القديمة والبابلية والرومانية والاسكندنافية. كانت متنورة كثيرا وأستاذته قبل أن تكون حبيبته، وكانت مثله الأعلى. طرزت له اسمه بالعبرية אחמד على منديلها المعطر وأهدته له ممهورا بقبلة بأحمر شفاهها. ذهبا إلى الأهرامات ذات يوم. كانت راشيل تعشق الحضارة المصرية القديمة وتحكى لأحمد عن حجر رشيد وشامبليون وفك رموز اللغة المصرية القديمة بخطوطها الهيرغليفية والديموطيقية والهيراطيقية. تحكى له عن مانيتون وعن بناة الأهرام. وعن أبى الهول ولوحة تحتمس الرابع. تحكى له عن رمسيس الثانى وتحتمس الثالث نابليون الشرق القديم وحتشبسوت والعصر الذهبى لمصر. وتحكى له عن زياراتها هى وفلاديمير للأقصر وأسوان ولمعابد الأقصر ووادى الملوك والملكات ومعابد جزر أسوان فيلة وكلابشة ومعبد أبو سمبل. حتى اشتاق لزيارة تلك الآثار مع راشيل يوما ما. قالت له بحزن: مش عارفة هفضل فى مصر ولا لأ حاسة إنى هقابل فلاديمير قريب. أحمد: ماتقوليش كده حرام عليكى يا روح... يا راشيل.. جلست راشيل على حجر من أحجار الهرم الأكبر وهى تتأمل المكان وقالت: ازاى اجدادى يسيبوا بلد جميلة زى دى ويروحوا مكان تانى ازاى.. ازاى يقولوا كلام وحش عن ملوكها وعن حضارات الزمن ده من رومان واغريق وبابليين واشوريين وعن معتقداتهم.. ليه البداوة اليهودية والعربية ماتتعلمش من الحضارات دى بدل ما تهاجمها وتهاجم افكارها وعاداتها او تسرق عاداتها وافكارها فى نفس الوقت.
لم يكن أحمد يفهم كثيرا مما تقوله راشيل التى كانت تحدث نفسها بشرود أكثر مما كانت توجه له الحديث. لكنه جلس جوارها وتناول يدها الرقيقة وقبلها قبلات كثيرة. ثم لف يده حول ظهرها وضمها جانبيا وأخذ يقبل خدها وأذنها حتى قالت له: بتعمل ايه يا أحمد ؟ سكت وخجل وقال: بحبك يا راشيل. قالت: وأنا كمان بحبك انت ابنى اللى ماخلفتوش وأخويا الصغير وتلميذى. قال: لأ أنا بحبك أكتر من كده انتى أمى وأختى وأستاذتى لكن مش بس كده انتى كمان إلهتى وربتى وملهمتى .. انتى حبيبتى وكل حياتى.
نظرت إليه راشيل طويلا متفاجئة وفى نفس الوقت لا تظهر أى مشاعر على وجهها وقالت وهى تشيح بوجهها عنه: أنا مش حبيبتك يا أحمد أنا أكبر منك ويهودية. انت من عالم وأنا من عالم تانى خالص. انت لسه صغير واللى انت حاسه دلوقتى نزوة هتروح بسرعة أنا متأكدة. لسه هتقابل بنات كتير وبعدين تعالى هنا دى فلانة الأرمنية وفلانة القبطية وفلانة الجريجية وفلانة الإيطالية بيتكلموا معاك طول الوقت وضحك وهزار وعلى فكرة عينيهم عليك اختار لك واحدة فيهم أهى أصغر منك وتناسبك.. قال: دول جاراتى وبس انتى حاجة تانية يا راشيل. قالت: بس بلاش كلام فارغ احسن ازعل منك ومش هننزل مع بعض تانى. قال بلهفة وخوف: لا لا خلاص مش هقول حاجة زى كده تانى. قالت: أنا منفعكش يا أحمد منفعش حد خلاص. أنا إنسانة حبت إنسان وسابها وراح ومش عايز ياخدها معاه الأنانى. قال: طب مانا كمان إنسان ومش حاسس بالفروق اللى انتى بتتكلمى عليها دى. قالت: وبعدين بقى يا أحمد. لم يتوقف عن ضمها لحظة. ولم تمنعه. كانت تراه بالفعل ابنها أو أخاها الصغير. وبنفس الوقت وبعد إعلانه لها عن حبه. لم تقوى على كسر قلبه ونهره عن ضمها أو تقبيل يدها وخدها. أخذ يضمها لبعض الوقت ويقبل خدها ويدها ويتأملها حتى شبع من ذلك فعضها بخدها وبدأ يمد يده على ساقيها ونهديها لكنها حينها منعته. فتوقف عما يفعل وجلس جوارها وكلاهما شارد صامت. لكنها فجأة بدأت تثرثر معه مجددا هذه المرة عن آثار المنيا المصرية القديمة ومعابد إدفو وكوم أمبو ودندرة بالصعيد والقاهرة الفاطمية والمملوكية وشارع المعز..
لم يكن أحمد مبهورا فقط بجمالها بل بطباعها الطيبة الأنثوية الرقيقة، وبعقلها المتنور وتعليمها ومعرفتها الواسعة الموسوعية بكل مجال من علوم وآداب وفنون وأديان ولغات وإنسانيات وحتى بالسياسة. لكنها لم تكلمه بالسياسة إلا قليلا لأنها كانت رومانسية مثالية بطبيعتها وتكره الحروب والدموية وسواد قلوب البشر عربا أو يهودا أو من أى جنسية.. وكانت من الأساس تحمل قلبا مفعما بالقيح والحزن من جراء خسارتها لتوأم روحها فلاديمير. قلبا يشغلها عن أى فكرة سوداوية أخرى. لكنها كانت تسمع بأذن صماء أحاديث أبيها يعقوب وأمها رفقة عن قلقهم مما يجرى فى مصر رسميا وشعبيا من عدائية تجاههم كيهود نتيجة قرار التقسيم ونتيجة الحرب الاهلية العربية اليهودية فى فلسطين. وقلقهم مما يخبئه لهم المستقبل فى جعبته من أمور تثير التشاؤم والسوداوية.
وحل عيد الشجرة اليهودى أو طوبيشفات فى شباط اليهودى أو يناير وأعدت رفقة والدة راشيل أطباق العاشوراء اليهودية من اللبن والنشا والقمح والمكسرات والفواكه المجففة. وتناول أحمد كعادته كل عام الطبق تطعمه راشيل بنفسها وعيونه تأكلها. كما حضرت راشيل وأسرتها احتفال أسرة أحمد بالمولد النبوى الشريف فى أواخر يناير قبلها وتناولت راشيل من يد أحمد حلوى المولد بأنواعها.
وبحلول أواخر مارس احتفلت أسرة راشيل بحضور أحمد أيضا بعيد المساخر أو البيوريم ذكرى نجاة اليهود من هامان وزير أحشويرش بالحلوى والمعجنات المحلاة بالعسل والمسماة آذان هامان وفطائر محشوة بالعجوة. وأداء مسرحية بقصة هامان وأستير واقامة حفلة تنكرية حضرتها أسر يهودية أخرى وأعطوا الهدايا للأطفال وذهب الجميع بما فيهم راشيل وأحمد للمعبد اليهودى للاستماع لتلاوة سفر أستير وقصة هامان. وفى أبريل حل عيد الفصح ذكرى خروج بنى إسرائيل من مصر القديمة. وأعدت رفقة والدة راشيل ومعها راشيل فطيرة الفواكه والمكسرات فطيرة الخاروست من التين والزبيب والبلح والقرفة والنبيذ الحلو. وساق دجاج أو ضأن. وكرات مقلية من الرقاق محشوة باللحم والكراث. مع خضراوات الربيع الطازجة الخضراء الخرشوف والفول الحراثى والبسلة أو البازلاء. والتخلص من الخميرة بحرقها أو بيعها لغير اليهود لأنها محرمة فى عيد الفصح. وتناولوا لحم الضأن كذكرى لأضحية الفصح مثل الأضحى الإسلامى. همست راشيل لأحمد ضاحكة قائلة: مش قلتلك احنا معقدين ومخبولين زيكم وزى جارتك مارى. فينك يا تحتمس ورمسيس وخوفو تشوف شعبك ضايع بين أفكار الاغراب البدو اليهود والعرب وخرافاتهم. وبدأت راشيل بصوتها الجميل ترنم المزامير من 113 إلى 118 بالعبرية كعادة الاحتفال بالفصح. ثم همس لها أحمد: المهم ان صوتك حلو وأكلك حلو. قالت له راشيل: انا مصرية يا احمد مهما قالوا عننا انا مصرية واهلى مصريين انا وانت ومارى كلنا مصريين ابا عن جد عن الف الف جدة وجد. متنساش ده ابدا حتى لو فرقت بينا الظروف والمسافات والبحور والمحيطات.
شعر أحمد بالقلق من كلامها وتشاءم وأحس أنها تتنبأ بفراقها عنه. رغم كونها لا تبادله حبه بحب، وعشقا بعشق، وهوسا بهوس، إلا أن مجرد قربه منها والتصاقه بها يريحه ويسعده ويهدئ من لهيب قلبه، وآلام ولوعة عشقه الذى بلا أمل. كان يشعر أن راشيل مولودة فى كل الشهور وكل الأبراج وتحمل مزايا ومحاسن كل الأبراج فبينما هو عذراوى يشعر أنها حوتية وجوزائية وحملية وأسدية وقوسية وثورية وجديية وعقربية وسرطانية وعذراوية ودلوية وميزانية.. ولا يهتم بموقع تاريخ ميلادها باليوم والشهر من الأبراج وتصنيفات الأبراج، فهو يشعر معها بأنها اثنتا عشر امرأة من كل الأبراج الفلكية معا رغم ولادتها فى منتصف يونيو. وكان يزورها فى أسبوع الفصح اليهودى ولا يقوى على فراقها.
وكانت راشيل باعتبارها له ابنها وأخوها الأصغر تسمح له بالتواجد جوارها ولِصقها بقدر ما يحب وكما يشاء، ويراها وهى بالسوتيان والكولوت أو بالكومبليزون، لا مشكلة لديها، وهو يراقبها وهى ترتدى الكولون الشبيكة الأسود أو ترتدى الجوارب الطويلة النايلون البنية الشفافة وتربطها بحمالات الجوارب وحزام الجارتر بالدانتيل.. أو يتابعها وهى تطلى أظافر يديها الجميلتين بالأوكلادور الأحمر أو الفوشيا أو الشفاف. أو يتابعها حين تعود من عند الكوافير ومصفف الشعر بشعرها الطويل الغزير العجيب الناعم، بتصفيفة كعكة أو تصفيفة ضفيرة الإكليل، أو تصفيفة خلية النحل، أو تصفيفات وضفائر متنوعة، أو بشعر غجرى مكسور مجعد، حين تصبغها أشقر أو بنى أو أحمر، أو تعيده سيرته الأولى الطبيعية أسود فاحم. أو حين ترتدى أحد أحذيتها العالية الكعب المتعددة الأصناف والطرز والألوان، أو تربط حزام الكاحل لكعبها العالى.
لم يكن أحمد ليدعها إلا ويتذرع ويتحجج ليرافقها فى كل مكان، حين تذهب للبقال لتشترى الجبن أو الحليب أو أسماك معلبة، أو حين تذهب للخياطة كى تصمم لها بعدما تأخذ مقاساتها فستانا، أو حين تشترى الخضراوات والفواكه. كان يلاحقها كظلها ولم تكن راشيل تمانع، ولم تكن تحرمه أبدا من الكلام والتسرى والتسلية معها. وقنع هو بدور الابن أو الأخ الأصغر أو الصديق الحميم على ما تُفرَج. لم يكن يدرى لماذا لا يحب ويعشق ويهيم بسواها، ولا يتوق إلا لها، لم يكن يشتهيها جسديا فقط وجهها البدرى وشعرها ونهديها ويديها وقدميها وساقيها، بل كان مهووسا بطباعها، بصوتها، بعبقها الطبيعى والعطرى، بملابسها وحليها، بعقلها وذكائها وثقافتها الموسوعية واختلافها عن كل الفتيات. كان يقبل نجمة داود الذهبية المتدلية من قلادتها الرفيعة الذهبية فى عنقها. وكان يجلس معها بغرفتها طويلا تطلعه على كتب فلاديمير والكتب التى جمعتها برحلاتها معه حول العالم، بالعبرية والإنجليزية، أطالس للفن الأوروبى الكلاسيكى والنهضوى. كانت راشيل ترسم مختلف أنواع الرسم، وتنحت تماثيل صغيرة من الحجر، كانت مهووسة بالرسم والنحت الكلاسيكى المصرى القديم والاغريقى والرومانى. كما كانت برشاقتها تلعب الجمباز والباليه المائى والتزلج الفنى على الجليد. لكن أحمد وإن رأى ولمس تماثيلها الحجرية الصغيرة ومنحوتاتها ولوحاتها وفسيفساءاتها، ورآها فى النادى الرياضى تلعب الجمباز وفى حمام السباحة بالنادى ترتدى المايوه القطعة واحدة أو القطعتين، وتنزل بالماء وتفعل الأعاجيب – مع صديقاتها بالنادى - التى تفعلها إستر وليامز والسباحات الشهيرات وفرق الباليه المائى والسباحة التوقيعية. لكنه بالطبع لم يرها أبدا وهى تتزلج على الجليد فأين ستفعل ذلك فى مصر وأين ستجد الجليد فى مصر. فالدول التى تتساقط بها الثلوج هى الاتحاد السوفيتى والصين واليابان وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والجزائر والمغرب وتركيا وإيران وكافة دول أوروبا وكندا والمكسيك والنصف الشمالى من الولايات المتحدة وفى بعض أجزاء الأرجنتين. لكنها أطلعته على بعض صورها الفوتوغرافية الأبيض والأسود وهى بملبس الجمباز وتتزلج فنيا على الجليد كما كان لديها بكرة فيلم يصورها صورها فلاديمير وآلة العرض موجودة. حيث يجلس أحمد جوارها ويطفئ الضوء ويشاهدان معا الفيلم القصير مرارا وتكرارا وهو يلتصق بها ولا يكف عن تقبيل يدها وأناملها وخدها وضمها جانبيا إليه. حتى أنه بليال كثيرة لا يعود لمنزله ويتحجج بأى حجة لينام جوار وبحضن راشيل فى ظهرها أو فى وجهها، لكى يصحو سعيدا وقد كان أول إحساس له حين استيقاظه هو حضنها، وأول شئ يراه هو وجهها أو شعرها. حيث يقبل خدها وينصرف إلى منزله تاركا إياها غارقة فى نوم عميق فهى تحب النوم كثيرا وتستمتع به، وتطيله، فصاحبة عقل بهذه الموسوعية لابد أن تطيل النوم كى تريحه وكى يعمل دوما بكفاءة. ولا ينسى أن يقبل قدميها. ويتحسس جسدها تحسسا سريعا خاطفا محييا إياها: נתראה בקרוב, רחל מתוקה שלי. نيترائيه بيكاروف راخيل ميتوكاه شيلي. إلى اللقاء أراك قريبا يا حبيبتى راشيل. فردت عليه راشيل بصوت ناعس متثاقل: כן, בואו נתכנס בקרוב! كِن بُو نيتكانيس بيكاروف. نعم دعنا نلتقى قريبا.

12