احمد وبائعة الشاى ام عالية

Story Info
Ahmad and the tea lady Omm Aliah.
8.5k words
0
6
00
Story does not have any tags
Share this Story

Font Size

Default Font Size

Font Spacing

Default Font Spacing

Font Face

Default Font Face

Reading Theme

Default Theme (White)
You need to Log In or Sign Up to have your customization saved in your Literotica profile.
PUBLIC BETA

Note: You can change font size, font face, and turn on dark mode by clicking the "A" icon tab in the Story Info Box.

You can temporarily switch back to a Classic Literotica® experience during our ongoing public Beta testing. Please consider leaving feedback on issues you experience or suggest improvements.

Click here

احمد وبائعة الشاى ام عالية

بعد عناء يوم كامل صادف أنه يوم ميلادى ، قررت أن أحتفل به ، ربما كان ذلك اليوم لا يستحق الاحتفال ، لكن لا يمكن أن يمر عام بعد عام فى عمرى دون أن أحتفل به ولو لمرة واحدة ، هو العيد الثامن والاربعون ، سأحتفل به ، بلا زوجة ، بلا أسرة ، بلا ابوين عظيمين حيين، بلا دخل ثابت ، سأحتفل به ، بلا أحلام ، بلا آمال ، بلا أهداف ، سأحتفل به وأتمناه الأخير، فى تلك الغرفة المتهالكة فى ذلك البيت المتهدم فى حى الجمالية حيث أعيش ، لا أحتمى بها من حر الصيف ولا تمنع عنى مطر الشتاء ، لكنها الأنسب لما أقوى عليه من إيجار ، هون عليك يا " احمد " فلربما تحنو الحياة! هكذا كنت دائما أقول لنفسى ، لكنى انقطعت عن هكذا تثبيت ، غدٌ يأتى بغدِ وما حنت ، جسدى النحيل يتهالك من الفقر والجوع ، شعرى تناثر فيه الشيب على عمرى هذا ، كثيرا ما كنت اهرب للخيال حتى مللت وصرت أرى الواقع بمرارته أهون على نفسى من خيال عشت فيه حتى شعرت أن مرضاً عقلياً قد أصابنى ، أحلام اليقظة كانت سلوتى كل ليلة حتى يغلبنى النوم فوق هذا البلاط ، وفى كل مرة لابد أن يكون النقص حليفا لكل الأحلام ، حينما حلمت بأن أكون وزيرا رأيت نفسى بعد الإجتماع قد خرجت من الوزارة أبحث عن أتوبيس النقل العام لأعود به ، وعندما حلمت بأننى ضابط شرطة كبير او ضابط بالجيش ثرى رأيت نفسى أهرب من الباعة الجائلين زملائى فى الواقع ، أى سخرية هذه من عقلى الذى لا يتقبل إلا النقص الدائم ، فى حى العتبة ، أفترش الأرض بتلك الملبوسات المستعملة بحثا عن ذوى الفاقة من المشترين لعلهم يضعون فى يدى جنيهات معدودة على أصابع اليد الواحدة فوق ما اشتريتها به من أصحابها الذين امتلأت خزائن ملابسهم بالجديد فقرروا التخلص من القديم لديهم ، وحينما تأتى حملات الحكم المحلى أو ما يعرف بـ " البلدية " أهرب تاركاً إياها على الأرض دون التفات ، فالنجاة حينها من ليلة حبس خير لى من أكوام الهراهير تلك ، ليتنى صبرت وانا ثلاثينى على تخويف ياسر الغرباوى لى ونيته بضربى او قتلى بشكل يبدو قضاء وقدرا فى مدينة 6 اكتوبر الجيزة الحى 12 مجاورة 6 عمارة 13 و 14 فلم افر بحياتى من اجرامه الى شقة 20 عمارة 12 شارع الامير يوسف بالحلمية الجديدة بالقاهرة ولأمت وارتاح وابقى مع امى ولعلها لم تكن لتموت بهذه السرعة بعدها وهى محرومة من وجودى معها وقلقة على رغم انى بعد غياب غامض وانقطاع كلمتها هاتفيا اخيرا قبل وفاتها وبصحتها لاربعة اشهر ونيف، ليتنى تحملت تخويف شعبان صاحب سوبرماركت عمارة 14 حارة النظارة لى بتحريض من ياسر الغرباوى واخوتى الكبار المتزوجين وزوجاتهم واولادهم ففررت منه وتهت بمحافظات مصر كلها صعيدا ودلتا بالفنادق واضعت مدخراتى التى كتبتها امى الراحلة باسمى منذ طفولتى لان ابن الشيبة يتيم، وليتنى ,,, مقالاتى وقصصى باسم كواكب وسمسم المسمسم وجدو سامى وباهر علوى وصديقتى ديانا احمد واحمد بن تحتمس منتشرة بالحوار المتمدن وواتباد وصوتى فى فيميو وفيوه ويوتيوب وساوندكلاود وميلفات وحلمات وروسمليون حتى وقد تشردت.... ها قد وصلت لذلك المحل ، سأشترى قطعة مثلثة واحدة من الكعك الهش ، اما الشمع ففى غرفتى شمعة حيث أن الكهرباء تعاندنى دوما ، ليس لعيب فى المصدر وإنما عيوب فى الصيانة ، سأتجه الآن إلى تلك الغرفة الكئيبة لأقيم الاحتفال .

عن أى احتفال أتحدث! لا شئ يستحق البكاء ولا الفرح ، فليبق كل شئ على ما هو عليه ، خطئى هو أننى كنت أحلم وأنا فى العشرينات بحياة أخرى غير هذه ، حياة بها بعض الشقاء أوافق ، لكن مع الكثير من المتعة يدفعها للاستمرار ، زوجة تملأ حياتى نعيما برومانسيتها المتكررة وثقافتها وسفورها وتبرجها وعلمانيتها وتنورها وحرياتيتها واشتراكيتها وطهيها المتقن اللذيذ وفنونها النسوية كامى الراحلة ومحبة للفنون والعلوم والاداب ودعمها لى وعشقها لى وتحملها لامراضى وفسائى وطباعى وتكون لى اما واختا واخا وابا وصديقا وصديقة، ووقت الليل تنظر بعيونى وتؤنس وحدتى وانام بحضنها ، حتى اليوم لم أجرب مذاق لحم النساء ، إبن يطالبنى بمصروفاته وبان اعلمه ثقافتى وتنويرى وعلمانيتى، و يحتضننى عندما أعود من الخارج ويحقق بقية رسالتى ويطول به العمر عنى ليشهد عودة الاشتراكية والسفور والتبرج والقيم الغربية الاوروبية لمصر لتعود بعصر ذهبى كالستينات من القرن العشرين، شقة أحمل هم إيجارها الشهرى لكنها متسعة تحتوينى وأسرتى ، ها هو مثلث الكعك سألتهمه دونما احتفال ، إلى النوم كما هى العادة فوق الأرض مباشرة ، سيأتى النوم ولو على الصخور، لقد امضيت عدة سنوات ما بين الخامسة والاربعين وعامى الثامن والاربعين هذا وانا مشرد هومليس انام واصحو على الرصيف ولم يكن لدى حتى غرفة الجمالية هذه التى تعطف على بها اصحاب القلوب الرحيمة ، بعدما كنت ابيت فى شقة الحلمية او اكتوبر الجيزة او فنادق محافظات مصر وشقق الاسكندرية المفروشة بسيدى بشر او الزهور بالمندرة قبلى... أصبح الصباح وقمت أجمع تلك البضاعة الغثة لأذهب بها إلى هناك مثل كل يوم ، وقبل أن أصل إلى ميدان العتبة وجدت الزملاء يهرعون إلى الحارات المجاورة تاركين بضائعهم ، الفوضى تملأ المكان ، الصراخ والبكاء ، إنها البلدية ، سأعود حيث أتيت ، لا ، سأذهب إلى محطة القطار ، المسافة قريبة بالنسبة لى ، سأذهب سيرا على قدمى ، أستقل أول قطار أبيع فيه تلك الـ! لا أعرف بم أسميها ، ها قد وصلت ، نظرت فى كل القطارات وسألت عن وجهتها ، كلها متكدسة بالمسافرين ، سأستقل هذا القطار على اى حال ، سألت أحد الركاب عن وجهته فأجابونى أنه متجه إلى مدينة الزقازيق بالشرقية ، ليكن ، سأبيع حاجياتى ثم أعود فيه ، وانطلق القطار وانا أحاول إقناع الركاب أن ينظروا لبضاعتى دون جدوى ، الكل مهموم أو منشغل بالحديث مع جاره ، ملأنى الهم وساءلتنى المعدة كيف ستقضى يومها! تمكنت من الهروب من المحصل فلا شئ فى جيبى لأدفعه له ، غادرت القطار ورحت أجول فى أرجاء المحطة ممسكا ببعض البناطيل القديمة ، لقينى رجل علمت انه " سباك " سيأخذ بنطالين فقط ، تهللت أساريرى ومنحته البنطالين ومعهما سترة هدية ، وضع بيدى عشرة جنيهات ثم غادر ، بإمكانى الآن أن أقطع صراخ بطنى ، تناولت رغيفا من الخبز مع بعض الفول ثم عدت لأجلس فى نفس القطار ، سأجلس لكن إذا رأيت المحصل سأفر هاربا منه وأتوارى عنه ، ساعة واحدة مرت قضيتها فى النوم أراجع قرارى الخاطئ بالبيع هنا ، لكننى لن أتحمل مطاردات يومية أترك فيها ما جمعته لأهرب كالمجرمين خشية أن يقبض علىّ أحدهم ، بدأ القطار يمتلئ ، يزدحم ، يتكدس بالركاب ، لم يعد فيه موضع لقدم ، وانطلق والركاب يتأرجحون مع حركاته ، مر حوالى عشرون دقيقة أو تزيد توقف بعدها القطار فى أولى محطاته فى منيا القمح ، لم ينزل منه أحد لكن ركب المزيد ، اقتربت سيدة فى مثل سنى تقريبا لكن يبدو عليها الإرهاق ، تزاحمت بين الركاب وهى تصيح فى وجوههم أن يفسحوا لها الطريق ، اقتربت حتى وقفت إلى جوار المقعد الذى أجلس عليه ، تفقدت وجوه الجالسين ، توقفت عند وجهى حينما وجدتنى أنظر إليها ، منحتنى بعض الأكياس وطلبت منى أن أضعها أمامى ، آه! ها هو المحصل يقترب ، لو بقيت جالسا سيسألنى عن التذكرة أو يطالب بثمنها ،

لقد استرحت بما فيه الكفاية ، سأقوم حتى أتفادى مواجهته ، وبتلقائية شديدة نظرت لتلك السيدة وقلت :

احمد : تعالى يا ستى اقعدى مكانى

السيدة مبتسمة : ليه ما تخليك قاعد

احمد : لا ما يصحش ، اتفضلى

السيدة وهى ممتنة : شكرا يا أخويه ، **** يخليك

قررت أن اتزاحم مسرعا قبل أن يرانى المحصل ، خطوتين لا أكثر حتى وجدت امرأة تستدير وتصرخ فى وجهى والشر فى عينيها ،

المرأة الغاضبة : ما تحترم نفس أهلك بقا من أول القطر ما اتحرك وانت عمال تقل أدبك ، إيه ؟

احمد متعجباً : أنا!! ده انا لسه واقف اهه

المرأة الغاضبة : لسه واقف! من أول الزقازيق وانت عمال تمد إيدك وتزنق فيه من ورا وانا ساكتة واقول يمكن يحترم نفسه انما انت مش هاترجع غير بالشبشب!

عجزت حتى عن الرد ، لا أفهم ما هذا الذى يحدث! قامت السيدة التى أجلستها مكانى لتصرخ فى وجه تلك المرأة مدافعة عنى ،

السيدة الجالسة: جرا ايه يا بت ؟ الراجل كان قاعد ولسه سايبلى الكرسى بتاعه! هى تلاقيح جتت ؟!

المرأة الغاضبة : وانتى إيه انتى كمان وإيه اللى دخلك فى الكلام ده ؟

السيدة الجالسة : ما تفتحيش بقك معايه لاعرفك انا مين! اتلمى خليكى تروحى على رجلك بدل ما اروحك مكسحة

سكتت المرأة بلا تعقيب ، نظرت وبعينى امتنان غير مسبوق لتلك السيدة التى دافعت عنى ، جلست مكانها دون أن تنتظر كلمة شكر منى ، لكن هنالك يد تطرق كتفى ، إنها يد المحصل ، تلك المرأة التى اتهمتنى عطلتنى عن الفرار ، وقع المحظور، ليس بجيبى سوى خمسة جنيهات ،

المحصل : التذكرة ؟!

احمد : أنا بياع!

المحصل : بياع إيه! انا اول مرة أشوفك ، التذكرة ماتعطلنيش

احمد : ما قطعتش!

المحصل : 10 جنيه

احمد : يا حاج أبوس دماغك انا مفيش فى جيبى غير خمسة جنيه هاتعشى بيهم

السيدة الجالسة : خد يا حاج الفلوس اهه

زادت دهشتى وتعجبى حتى شعرت بشلل فى لسانى فلم أنطق ، نظرت لى مبتسمة تومئ برأسها ، ظللت واقفا فى مكانى وظهرى للطرقة ، بينما وجهى ناحيتها ، توقف القطار فى محطة بنها فقام من يجلس بجوارها ليترك مقعده فارغا وضعت يدها على ذاك المقعد تمنع عنه من يجلس ونادت علىّ

السيدة : تعالى يا اخويه اقعد هنا

احمد : الف شكر يا ست

السيدة : على ايه يا اخويه ده واجب عليه

احمد : على ايه ازاى ده انتى جمايلك بقت كتيرة فى رقبتى ، دافعتى عنى ودفعتى لى وقعدتينى كمان

السيدة : انت سبقت يا ابن الأصول بالخير وانا اللى يعمل لى معروف اردهوله الطاق عشرة

كانت لهجتها تدل على انها تستحق لقب " بنت البلد الجدعة " بكل مواصفاتها ، ذكرتنى كلماتها بكلمات المرحومة أمى وكلمات المرحوم ابى، تساقطت الدموع من عينى ولم أدرك هل هو بكاء على أمى وابى أم هو بكاء على ما انا فيه ، بعد دقائق من الصمت نظرت لى وهى تتألم لبكائى ودون أن تعرف الأسباب وجدتها تربت على كتفى وتمنحنى منديلها لأمسح دمعى ، وحينما ترددت وزاد البكاء أمسكت بذراعى ومسحت دمعى بيديها وهى تحاول تهدئتى ،

السيدة : روق بقا يا اخويه مش كده هو حصل إيه يعنى لده كله ، ما كلنا فى الغلب ، ماتعملش فى نفسك كده يا قلب أختك خلاص الناس بتبص عليك اسكت بقا ، انت ساكن فين ؟

احمد : فى الجمالية

السيدة : طيب خلاص فيه شارع ورا القسم فاضى ومفيهوش حد ، اقعد هناك وابقا عيط براحتك بقا طالما انت مخزن ده كله هههههههه

احمد : كلماتها أجبرتنى على الابتسام

السيدة : ايوة كده اضحك يا راجل ، اسم الكريم إيه ؟

احمد : اسمى احمد

السيدة : وأنا اختك عزيزة

احمد : **** يعزك يا ست عزيزة

عزيزة : لا ست إيه قول لى عزيزة أو قول يا ام عالية

ووصل القطار إلى محطة رمسيس ، نزلت قبلها وانطلقت فى طريقى لكننى سمعت صوتها تنادينى ، انتظرتها حتى لحقت بى فقالت ،

عزيزة : ايه مستعجل ليه كده! انت وراك إيه ؟

احمد : ولا حاجة

عزيزة : طيب بص هقول لك حاجة ، احنا اخوات صح!

احمد : طبعا يا ام عالية

عزيزة : طيب خد دول منى ، دى حاجة بسيطة اهه

وبدون أن ادرى او أمد يدى نظرت للأوراق النقدية فى يدها ثم نظرت فى عينيها المشفقتين ، هل وصلت لهذه المرحلة! صرت فى عين الناس مستحقا للإحسان والصدقة! منذ بلغت الخامسة والاربعين وقد اصبحت أعانى من الفقر والحاجة والتشرد وكأن الفقر طفق يجرى فى العروق مع الدماء ، مرض أبى وتوفى وانا بالثالثة والثلاثين، مرضت أمى من قبل وفاته وساءت وكثرت امراضها من بعدها وأقعدها الداء فكنا نعيش جيدا لكن بحزن على معاشها ومعاش ابى ، فى شقة اكتوبر الجيزة، ماتت وانا فى التيه والغربة والهروب من الغرباوى وانا فى التاسعة والثلاثين من العمر تاركة لى إرثاً من الفقر والضياع التدريجى ليس بسببها فقد ادخرت مبلغا لى لولاه اتشردت فورا وكتبت لى شقة باسمى ، صارعت كثيرا حتى أرتزق من أى باب بدلا من ذل السؤال ، حتى وقع المحظور وافلست وتشردت، تحملت الجوع والمرض والنوم بالشوارع أياما وليالى حتى صارت ملامحى اليوم توحى بتجاوز السبعين او الثمانين بينما أنا لم أبلغ الخمسين ، مر ذلك الشريط أمام عينى فى لحظة ، فاضت دموع الذل منى حتى لم أستطع الوقوف ، شعرت بدوار ثم لم أنتبه إلا بعد قرابة الساعتين وأنا ممدد فوق أريكة فى سقيفة وحولى أصوات الضجيج تتعالى من السيارات والنداءات المتتابعة على سيارات الأجرة ، فتحت عينى لأجد عزيزة تجلس أمامى على بعد مترين تقريبا واضعة يديها فوق رأسها وكأنها حزينة ، نهضت لأجلس ، نظرت إلىّ وعينها مستبشرة ، قالت ولهجة الفرح تقطر من صوتها ،

عزيزة : حمدلله على سلامتك يا قلب اختك ، كده تخلع قلبى عليك ؟

احمد : هو إيه اللى حصل ؟ مش فاكر حاجة

عزيزة : لا ولا يهمك يا اخويه قوم تعالى ناكل سوا قوم

احمد : لا كتر خيرك يا ام عالية ، أنا فين؟

عزيزة : يا اخويه تعالى كل ، ده انت جاى من سفر

قمت متباطئاً إلى مكان الطعام وجلست أتامل السقيفة ، كأنها مطبخ لإعداد المشروبات الساخنة ، نعم كل شئ فى المكان يشرح ذلك ، مئات من الأكواب المتراصة بعناية ، موقدان بأنابيب الغاز الكبيرة ، غلايات الشاى الكبيرة الحجم ، لاحظت نظراتى وتاملاتى فى المكان فبادرت ،

عزيزة : احنا هنا فى موقف المنيب وهنا بقا مكان أكل عيشى ، شاى وحلبة وحاجة سقعة واهى مستورة

احمد : **** يوسع عليكى يا ست الكل

عزيزة : بقالى اسبوعين ما جيتش هنا عشان كنت عقبال اولادك باجوز البت عالية بنتى ، كانت معايه هنا بتساعدنى بس جالها عدلها من منيا القمح ، النهارده السابع كنت باودى لها زيارة

احمد : **** يتمم فرحها بخير

عزيزة : يا اخويه فك كده واتبحبح بقا فى الكلام ، إيه مالك يا راجل شايل هم الدنيا فوق دماغك كده ليه ؟

احمد : انتى طيبة اوى يا ست عزيزة وبنت حلال ، معندكيش غير عالية ؟

عزيزة : عندى يا اخويه وليد ده الصغير بقا بس ايه غلباوي ولسانه طول كده ، انما عالية بقا ايه! لسانها بينقط عسل ، الجدع اللى اتجوزته ده كان سواق هنا بس سافر الكويت واول ما رجع بقرشين لقيته جاى يتقدملها ، ابن حلال واتربى يتيم زيها

احمد : يعنى انتى اللى شيلتى مسئولية ولادك كلها يا ست عزيزة

عزيزة : آه من يوم المرحوم ابوهم ما مات وهما قطط كده وانا طلعت عليهم اشتغل واتعب لاجل ما يتحوجوش ولا يحسوا ان فيه حاجة ناقصاهم أبدا واخليهم احسن الناس كلها ، عالية الكبيرة اديتها بكالوريوس تجارة ، بس حبة عين امها اول ما خلصت قالت لى مش هسيبك لوحدك يا امه وجت تشتغل معايه ويادوب سنتين اتنين اللى اشتغلتهم معايه واتجوزت ، انا كمان ماخليتهاش تخش بيت جوزها الا كاملة مكملة من مجاميعه ، والواد وليد بقا فى الثانوية العامة عقبال ماتشوف ولادك شاطر اوى

احمد : **** يخليهملك ويخليكى ليهم

عزيزة : وانت بقا يا اخويه ولادك اسملله عليهم فى التعليم ؟

احمد : انا معنديش ولاد

عزيزة : **** يعوض عليك ، منك ولا منها قلة الخلف ؟

احمد : لا أنا ما اتجوزتش خالص

عزيزة : طب كل ومد إيدك ، انا هاعزم عليك ؟

واستمرت عزيزة فى فتح قنوات الحوار حتى انتهينا من الطعام ، قامت تعد كوبين من الشاى ، كانت نحيفة لكنها لينة القوام مفرودة العود ، ملامحها جادة وحادة لكنها جميلة ، تبدو أصغر من أن تكون أما لابنة متزوجة ، الحسنة البنية يزين خدها الأيسر مثل حسنة خد امى الايمن تماما، وجهها مستدير ، عيناها سوداوان وجريئتان ، عادت بعد قليل تحمل كوبين من الشاى وهى تقول ،

عزيزة : السواقين كانوا فاكرين انى جاية اشتغل بس انا قلت لهم لسه من بكره ، انما انا جيت هنا عشان بيتى بعيد وانت كنت يا حبة عينى محتاج ترتاح

احمد : انا مش فاكر إيه اللى حصل لى

عزيزة : واقفة باتكلم معاك ع الرصيف لقيتك وقعت قدامى من طولك ، رقعت بالصوت والناس اتلمت ، بابص لقيت دكتور إلهى يستره نازل م القطر كشف عليك بسرعة وفوّقك بس انت كنت قايم مدروخ خالص ، جدع ابن حلال سندك معايه لحد التاكسى وجبتك هنا ، خلى بالك الدكتور بيقول ان اللى عندك ده ضعف ، ليه يا اخويه مش واخد بالك من نفسك كده ده مفيش اغلى م الصحة! ما تفتح لى قلبك أنا زى اختك

كان حوارها وكلماتها وخوفها علىّ برغم غربتى عنها يشعرنى بحنان لم أجده من أمى التى جعلها المرض تستعجل الرحيل عن الدنيا لتفارق الآلام والهموم ، يدها التى كانت تربت بها على كتفى بين الحين والآخر كانت تشعرنى بدفء وسكينة ، انطلق لسانى فى الحديث عن نفسى دون توقف ولا تحرج ، كنت أحكى بينما أنظر فى الأرض ، حتى رفعت وجهى فوجدت الدموع تغرق خديها ، انخراطى فى الحكاية جعلنى لم أنتبه لبكائها منذ أول صفحة فيها ، توقفت فجأة عن الكلام ، نظرت لى بحنان وطالبتنى بالتكملة ، استأذنتها للانصراف وطفت بنظرى أبحث عن حاجياتى ، أمسكت بى وأقسمت ألا أغادر ،

عزيزة : انت هاتشتغل معايه هنا من بكره

احمد : كتر خيرك يا ست أم عالية ، أنا هارجع ع الاوضة الليلة دى وبكره **** يعدلها

عزيزة : يا اخويه اقعد انا مش بعزم عليك ، انا هنا بقيت لوحدى بعد البت ما اتجوزت وكنت تايهة مش عارفة هعمل إيه ، كانت مريحانى

احمد : طب وقبل ما تشتغل معاكى ما انتى كنتى لوحدك

عزيزة : لا كان معايه الواد تامر ابن اختى بس سافر هو كمان **** يسهل له ، اسمع بس ده شغل وانت كل اللى هاتعمله هاتقدم المشاريب للزباين ، الزبون بييجى يقعد مكانك كده بالظبط او بره العشة ، وانا هابقا واقفة ع النار ، ها قلت إيه ؟!

احمد : بس أصل انا!

عزيزة : اسمعنى ، سيبك م الأوضة بتاعت الجمالية والعتبة والهم ده انت هنا هاترتاح وفيه اوضتين اهم فى بدروم العمارة دى عاملاهم مخزن خدلك واحدة منهم ، يوميتك عشرين جنيه ، قلت إيه ؟

احمد : موافق يا ست عزيزة

عزيزة : ام عالية يا اخويه قول ام عالية

لم تكن لى حاجة فى العودة للجمالية من جديد ، الغرفة هناك فارغة من أية محتويات أو متعلقات ، تبعت عزيزة وهى تذهب إلى البدروم وفتحت لى بابه ، به أجولة من الشاى والسكر ، وكراتين من الأكواب الزجاجية ، بعض المواقد القديمة وأنابيب الغاز الاحتياطية ، إلى جانب بعض الكراسى الخشبية والأرائك ، بعض عروق من الخشب وأفرع الشجر ، رتبت لى منامة فى ركن الغرفة الثانية ومنحتنى موقدا ، كشفت ستارا لتخبرنى أن هذا هو الحمام وبإمكانى استغلال إحدى المساحات الخاوية لأجعل منها مطبخا صغيرا ، ذهبت إلى الخارج قليلا ثم عادت تحمل بعض الأوانى مع بعض الغيارات والبيجامات ، كان الكلام لا يعبر عن الشكر والامتنان لها ، أعطتنى المفتاح وهى مبتسمة تخبرنى أن فى الغد سنستأنف العمل من جديد وانا معها ، بعض الإرشادات كانت كافية لأفهم ما يجب علىّ فعله وما لا يجب ، وفى اليوم التالى بدأ العمل على أحسن ما يكون ، ومر شهران وانا كل يوم أشعر بالرضا والبشرى ، مزيد من المال يعنى المزيد من الأناقة والشياكة ، ومزيد من الراحة يعنى المزيد من الوزن ، صرت متناسق الطول مع الوزن فى فترة بسيطة ، من يرانى يمنحنى عمرى أو أقل منه ، أصبحت مهندما بهى الطلة ، هذبت لحيتى وهندمت شاربى ويوما بعد يوم يزداد رضا ام عالية عنى ، استأذنتنى فى يوم من الأيام أن أعمل بمفردى لأنها ستذهب فى زيارة لعالية ولن تغيب ، جاءت من هنالك تحمل هما كبيرا ، زوج ابنتها " مرزوق " يسئ معاملتها ، يضربها ، يسبها بأقذع الألفاظ ، روت لى تدخلها لتصلح رغم غضبها ، ولتهدئ ابتنها وتجعلها تتحمل فهى فى بداية الزواج وهذا أمر معتاد ، لم تكن مقتنعة بما تقول لكنها قالت أن هذا كل ما يمكنها اليوم فهى لا تريد أن تنهى حياة ابنتها الزوجية فى بدئها لو تدخلت بعنف مع زوجها أو أهانته ، ومضى أقل من عام والأمور عندى تزداد حسنا ، صرت أحلم اليوم بالزوجة ، أمامى عامٌ أو عامان وسيمكننى التفكير الجاد فى هذا ، كنت أحصل على يوميتى من ام عالية إلى جانب بعض الإكراميات من السائقين ومعاونيهم .

على الجانب الآخر صارت أم عالية تحمل هم ابنتها لتأخرها فى الإنجاب ، قسوة زوجها تزداد ، تهديداته بالزواج من غيرها دفعتها للسفر إليها فى يوم لتوبخه وتعنفه على ذلك ، مضى أسبوع واحد على تلك الزيارة حتى عادت إليها عالية لتخبرها بأن مرزوق قد طلقها ، لم يكن بمقدورها أن تذهب إليه فلقد أنهى كل شئ بفعلته ، وصلت ورقة الطلاق بعد أيام قليلة ، وانطلقت ام عالية تسعى لرد حقوق ابنتها القانونية ، حبال المحاكم طويلة كما كانت تقول ، كنت أحاول التخفيف عنها كما كانت تفعل معى ، كنت أراها قوية لا تعبأ بأمر الطلاق إلا ما يخص كسرة ابنتها وشعورها بالألم وقد صارت مطلقة فى العشرين من عمرها ، طلبت منها عالية أن ترجع لتعمل معنا فى السقيفة لعلها تنسى همومها فى طاحونة العمل ، وافقت أمها وأحضرتها معها وقدمتنى لها ، عالية طيبة القلب جميلة الملامح رقيقة صوتها شجى ، ممتلئة الجسد بعدالة ، من يراها يحب النظر إليها ، كانت تنادينى " عم احمد " ، اقتسمنا العمل بيننا ، وبعد أشهر قليلة كان أول حكم لصالح عالية بالنفقة والمؤخر وقائمة المنقولات ، وبرغم أن الحكم فى صالح عالية إلا أن أمها لم تأخذ من القائمة إلا ما اشترته لابنتها فقط لتعيد لمرزوق ما اشتراه ، اجتهدت عالية فى عملها معنا ، كانت العلاقة بينى وبينها عادية ، مر شهر على الحكم ووجدنا مرزوق يحضر إلى السقيفة بكل سخف ليجلس خارجها طالبا الشاى ، لم اكن أعرفه فقدمته له ، لكننى فوجئت عندما وجدت عالية قادمة بصينية فوقها عشرة أكواب وحينما رأته شهقت وسقطت منها الصينية بما عليها ، قام ليجذبها من ذراعها ليسمعها أقسى عبارات السب غيظا مما تكبد من خسائر ، ما إن لمحت المشهد حتى اندفعت نحوه بكل قوة لأخلصها من ذراعه وازيحه بعيدا عنها ، كنت اظنه احد السائقين الجدد فى المكان لكننى تبينت الامر عندما هرعت عالية إلى امها داخل السقيفة لتخبرها بقدوم طليقها واعتدائه عليها ، وجدت عزيزة تخرج متحفزة لتاديبه حتى وجدتنى ممسكا برأسه بين يدىّ أمنحه ركبة فى خصيتيه ليسقط على الأرض صارخا فأهبط فوقه مكيلا له اللكمات بكل الغل الذى ترسب فى نفسى جراء ما كبده لعالية وأمها من عناء ، صار وجهه مدرجا بالدماء حتى وجدت ام عالية تسحبنى من فوقه ،

عزيزة : خلاص يا احمد هايموت فى إيدك

احمد : سيبينى أربيه اللى فاكر ان ماوراهاش رجالة ، ده انا هاقطعك هنا

عزيزة موجهة نظرها لمرزوق : انا خلصتك من إيده بالعافية انما ودينى لو شوفت وشك تانى لاخليه يولع فيك يا قليل الأصل يا خسيس

تجمع السائقون ليطالعوا الأمر ، أخذوا مرزوق وذهبوا به بعيدا عن المكان وهم يعاتبونه على ما فعل ، أخذتنى عزيزة من يدى وأدخلتنى وهى تمسح على ظهرى وكتفى ،

عزيزة : **** يخليك لينا ومايحرمناش منك أبدا يا أصيل يا ابن الأصول

عالية : حاجة بتوجعك يا عم احمد! طمننى عليك

احمد : بخير يا عالية ما تقلقيش

عزيزة : يا بت ماهو قدامك زى الأسد أهه ، إيه شايفاه دمه سايح ولا بيتوجع! ده سيد الرجالة ده

عالية : طبعا سيد الرجالة كلهم ، يسلملى دراعك يا حمادة

عزيزة : هههههه يا بت كلمى الراجل عدل

احمد : خليها براحتها يا ام عالية دى الغالية علينا كلنا

ومنذ ذلك الحين لاحظت تغيرا مفاجئا على معاملة عالية ، صارت أرق فى معاملتها معى ، شعرت انها ترى فى شخصى الأب الذى افتقدته ، بينما كانت عزيزة لا تقصر فى بث حنانها الدائم لى ، شعرت بينهما أننى وجدت الأسرة والأهل ، لم تعد عالية تنادينى إلا بـ " حمادة " ، أصبحت تلاطفنى وتدللنى وتنغمس فى الحديث معى والاستماع لى بكل شغف فى اوقات الراحة ، أقبلت امتحانات الثانوية العامة فقررت أم عالية أن تبقى إلى جوار وليد ترعاه رعاية كاملة وتتابعه بإحكام حتى تنتهى امتحاناته ، كانت عزيزة تعرف أن المكان فى يدى كما هو فى يدها ، يومان وذهبت لرؤية ام عالية وانا أحمل معى واجب الزيارة ، لقيتنى عالية لتخبرنى ان أمها نائمة الآن لتستعد للسهر إلى جوار وليد وهو يستذكر دروسه ، سألت عن أخيها وليد فأخبرتنى أنه فى الدرس ، هممت بالانصراف فلم تتركنى وتمسكت أن أبقى حتى تقدم لى واجب الضيافة ، جلست إلى جوارى تسائلنى عن نفسى ، عن حياتى ، عن سر تأخر زواجى ، فأجبتها بإجابات قصيرة ، جلست تتحدث كثيرا عن حياتها وعن طليقها وعن طريقة تعامله معها رغم أنها كانت لا تأل جهدا فى تجميل حياته بكل انواع الجماليات ، حتى أنها كانت ترقص له فى غرفة النوم ، أدهشتنى جرأتها ، تمنيت لها التوفيق فيما هو قادم ، لكنها استمرت فى حديثها عن غرفة النوم ، كان وكنت وكنت وكان ، اقتربت أكثر حتى صرت أشعر بحرارة أنفاسها ، وفى كل دقيقة تضع يدها على كتفى او تمسك بذراعى أو بيدى بينما تحكى ، لم اكن لألقى بالاً لكل كلامها أو تصرفاتها ، انتهى الحوار وطلبت الانصراف على امل العودة فى وقت لاحق ، فى اليوم التالى استأنفنا العمل ، أنا وعالية فقط ، كنت انا على النار وهى تقدم المشروبات للزبائن ، رأيت بعض السائقين يغازلها وعيناه تتابعها كلما تخطو بينما تملؤهما الرغبة ، ناديت عليها فجاءت مسرعة ،